الشهيد: بوزيد مصطفى
الشهيد بوزيد مصطفى بن محمد .
يلقب بأسد مستاوة و تاموداست .يروي عنه من عرفه أنه شخصية فذة و ملهمة في الفداء ، تجد نفسك أمام سيّد يعلو الوقار محياه ، فمنه تتعرف على العزّة و الكرامة ، و به تكتشف معنى الرجولة و الشهامة و الإباء ، فقد جمع خصال المروءة ..!
ولد سنة 1902. بجبل مستاوة ، تربى و ترعرع بين احضان تلك التضاريس الوعرة ، تعرفت إليه الأماكن التي وطأتها قدماه .. من الخزار و تاموداست و رأس القلعة و قرن المعزة ، و كاف بوهلال و كتف الطاقة الى دمنة السماء ، الى شعاب العُصَّام و المنقوش ، الى بويران الى شعبة تلوزغي..
تربى في كنف والده سيدي محمد . و هو يعد من أولياء الله الصالحين ، فحفظ القرآن على يده ، و جمع علوم زمانه من علوم القرآن و الحديث و الفقه و أحكام الشريعة و التاريخ .و تم له هذا على يد أعمامه ، شبَّ سيّداً و طموحاً و فحلاً لا يشق له غبار ..!.
فوالده سيدي محمد بن سيدي احمد هكذا تعرف سلسلته ، فهو شيخ و معلم بزاوية جده سيدي محمد بن بلقاسم المعروف : (بمول القرقور ).
كان صاحب كرامات ، لتقواه و ورعه . و أما جده سيدي أحمد بن سيدي محمد فهو من العارفين بالله عليه سمّْت الصالحين ، زاهد عابد منقطع عن الدنيا .و كان قد قاد ثورة القرقور سنة :1871.
و التي وقعت بعد أن إستقبل أُسر و عائلات الشيخ المقراني بعد أن أخمدت فرنسا ثورة المقراني سنة: 1871.و هي الأسر التي لجأت الى شيخ زاوية القرقور .
أين تمكن المستعمر في الأخير من وضع حدًا لهذه الثورة ، و ترحيل القبيلة بكاملها الى منطقة جبلية تسمى ( بويخفاون) بالقرب من بلدة سريانة ، كما تم نفي سيدي أحمد و أخويه سيدي محمد الصالح و سيدي الطيب الى جزيرة كورسيكا .و لم تفرج عنهم السلطات العسكرية الفرنسية إلا سنة:1892. بعد 11. سنة من النفي.
و خلال سنة :1920. توفي والده محمد بن احمد . فأضطلع بمهام عدة ، منها التعليم في مقام والده ، كما تقلد وظيفة والده في فض النزاعات التي تقع بين أهالي المنطقة و الجهة الغربية من الأوراس بصفة عامة من بلدية وادي الماء الى مروانة الى قصر بلزمة الى نقاوس و أولاد سي سليمان و بومقر و سفيان ، الى دوار أولاد سلام و دواوير عين جاسر ، و هذا بين القبائل المنطقة ( الأعراش ) فهو معروف لدى سكان المنطقة أنذاك من : أولاد سلطان و أولاد فاطمة و أولاد مهنة و الحليمية الى أولاد بوعون و أولاد سلاَّم و الخنافسة و البراكتة أولاد منعة .و كذا حلِّ المشكلات الإجتماعية التي تثار هنا و هناك حت التي نشب بين المعمرين الذين كانوا يقطنون بمروانة و وادي الماء و قصر بلزمة .و التي تنشب مع الفلاحين الأهالي .!
و مع إندلاع الثورة التحريرية سنة :1954. حتى واكب الحدث ، و عايش اللحظات التاريخية .و قد كان سندًا قويا و عنصرًا فعالاً في اعمال الثورة و الإعداد لها فيما تحتاجه ، كما كان يورأز إليه عند مواجهة بعض الصعوبات فيذللها بحنكته و ذكائه و فطنته و مكانته الإجتماعية بمجرد ورود إسمهأ و يُسمع به أو بقدومه ..!
فقد جعل من مسكنه و كل هياكل إقامته مقرًا و مركزًا للثورة في الإمداد بالسلاح و الذخيرة ، حتى هال الأمر بعض قادة جيش التحرير ، من أين لهذا الشيخ بالسلاح الذي يزود به الثورة سواء من حيث الكمية و النوعية في صنادق مشمعة ..! لما تروى عنه هذه المآثر تجد نفسك و كأنك أمام شخصية عثمان بن عفان رضي الله عنه ، في تجهيز جيوش الفتح.!! كما كان مقر إقامته مركزا للعبور و التحركات و الرصد و المراقبة ، فهو بمثابة غرفة العمليات في الربط و الإتصال و الإشارة و التنقل ..
لقد كان يختار أماكن الإختباء بعناية فائقة ، مخابيء السلاح و الذخيرة و المؤونة بدقة عجزت أمامها الإستخبارات الفرنسية أو حتى العملاء و الجواسيس.
لقد روى لى أحد المجاهدين الأخيار ، عمي ( عمر بوضياف ) رحمه الله ، و الذي أصيب في معركة قرن المعزة بحروق بليغة بغاز النبالم . أذكر أنه قال لي: أن الشيخ مصطفى من رجال الله ، و وجهه من أهل الجنة .و زاد قائلاً: كنا لا نَطْعَمُ طعاما على حبه إلا عند الشيخ .. و لا نتلذذ بنكهة القهوة إلا في مركزه .و لا تروق لنا الراحة إلا إذا نزلنا عنده ..!
و كان هذا دأب الشيخ مصطفى و بلاءه الحسن في طريق الجهاد في سبيل تحرير الأرض و العرض و العباد من نير الإستعمار ، حتى جاءت الليلة الليلاء سنة : 1956. أين تلقى الشهادة في سبيل هذا الوطن. و ارتقت روحه الطاهرة الى بارئها .
و لم تكتف القوة الإستعمارية بذلك ، إذ قمت بتوجه أمر عسكري بإخلاء الدوار خلال : 12 ساعة .مما حدا بأسرته و أُسرتي أخويه كل من : عمر و عبدالله و هذا الأخير قد لحق هو الآخر بأخيه شهيداً في ميدان الشرف ، بوسط مدينة سريانة .!!- إلا الإسراع في الإخلاء و الإجتهاد في أخذ ما هو ضروري ، حتى بعض مواشيهم بقيت تائهة في الغابات و تحت الأنجاد و بالأودية ..
و قبل إنقضاء الأجل الزمني لأمر الإخلاء حتى بدأت الطائرات بالقصف المكثف ، من القنابل التدميرية و قنابل النبالم قصد حرق المحاصيل الزراعية ، و ومخازن الغذاء من قمح و شعير و حنطة ، و كل ما له صلة بالغذاء .! و هو القصف الذي لم تسلم منه الدواب و الأنعام ، من شظايا القنابل و الحجارة المتطايرة ، التي تتطاير في كل الجهات ..!
هذا هو جدي لأبي و ما عرفته عنه من رواية والدي رحمه الله ، و والدتي رحمها الله كون جدي خال لوالدتي ، و كذا ما سمعته و عماتي و بعض أصدقائه و بعض المجاهدين رحم الله المتوفين ، و أطال الله في عمر الأحياء منهم و رزقهم الصحة و العافية .
تعليقات
إرسال تعليق