الشهيدة: شايب دزاير
مولدها ونشأتها :
من بين المزارع والضيعات الهامة الموجودة في مجاز الصفا قرب
جبل بني صالح أحد معاقل الثورة التحريرية في ناحية سوق
أهراس، مشتى دالي بن شواف، التي تقع وسط الحقول المترامية
الأطراف، و يعود زمن تكوين هذه المشتى إلى بداية القرن الماضي، على أنها توسعت حتى أصبحت عند اندلاع الثورة التحريرية، تضم 8 غرف و مخابى للعلف وبئر، و قد أحيطت بسور عالية لاتقاء عيون المتطفلين، و على مسافات متباعدة تتناثر بيوت أخرى وسط خضرة الجبال، و حول المشتى كانت تمتد أكثر من 20 هكتارا من الأراضي الصالحة للزراعة كانت هي المورد الوحيد لعائلة شايب.
في هذه المشتى ولدت سنة 1928 شايب أدزاير من أب يدعى
شايب محمد و أم تسمى جمعة زراري، و تربت في هذه العائلة
الفلاحية المتوسطة و تلقت فيها الأخلاق الحسنة و السلوك القويم، و وسط إخوانها من الأولاد (5) وأخواتها من البنات (2) ترعرعت
وشبت ، و لما بلغت سن الدراسة لم تجد مدرسة تدخلها لأن العدو
الفرنسي كان همه الوحيد هو الاستلاء على خيرات البـلاد و
استعباد أهلها و لن يتسنى له ذلك إلا بتطبيق سياسة التجهيل، فاكتفت أدزاير بالإقبال على تعلم إدارة البيت و القيام بشؤونه،
فكان عالمها يمتد إلى اكثر من الحقول التي كانت تلعب فيها و
تمرح و كبرت أدزاير و اكتمل جسمها فاصبحت قوية البنية، بشرتها البيضاء مسرحية بحمرة خفيفة، و لما بلغت سن الزواج تقدمت إليها عائلة الرقامي فخطبتها لإبنها.
و قبيل إندلاع الثورة لاحظت الفتاة الفطنة بأن أباها اصبح كثيرالزيارة من رجال غرباء عن تلك الناحية، و من خلال الكلمات التي كانت تلتقطها عرفت بأن أباها على إتصال بالمناضلين الذين
يعملون ضد الاستعمار و فهمت أن شيئا ما يحضر له، و تكررت
الزيارات و ما كادت الثورة التحريرية تندلع حتى أصبحت المشتى
مركزا لجيش التحرير ساهم بقسط كبير و من خلاله شايب دزاير
في مساعدة المجاهدين على أداء مهمتهم إلى أن حل يوم
18 نوفمبر 1954.
كان هذا اليوم عاديا بالنسبة لشايب دزاير، فقد كانت نفس الأشغال اليومية تنتظرها في ذلك اليوم لطهي الطعام والقيام بمتطلبات البيت، غير أن مساء ذلك اليوم لم يكن عاديا إذ حل بمزرعة والدها قائد المجاهدين باجي مختار و معه 10 من رجاله، وفي هذا اليوم رأت لأول مرة باجي مختار الذي كان حديث العام والخاص، و تفرست فيه جيدا علها تستشف السر الذي جعل العدو الفرنسي يجري وراءه للقبض علـيه و يسخر دعايته لتشويه سمعته، وسرّها أن تخدم هذا القائد و جنوده فعمدت إلى الخروف الذي ذبحه والدها فاعدته و قدمته إلى ضيوفها مع الكسكسي وخلال السهرة استمتعت أدزاير باعجاب لأخبار العمليات البطولية التي قام بها المجاهدون قبل حلولهم بالمشتى.
في الصباح الباكر من يوم 18 نوفمبر بدأت تدب الحركة و النشاط
في مزرعة دالي بن شواف حيث استيقظ أهل البيت لخدمة المجاهدين فقامت أدزاير و حملت على عاتقها مهمة الاشراف على
إعداد الكسكسي و خبز الكسرة، و على بعد خطوات من المزرعة
كانت حراسة المجاهدين تقوم بمراقبة المكان، وحوالي الساعة
السادسة صباحا اقبلت طائرة استكشافية فحلقت حول المشتى ثم غابت عن المنطقة، و بعد لحظات أقبل صاحب المشتى و اخبر باجي مختار بأن قوات العدو تتقدم بالمصفحات في إتجاههم، فاستعد المجاهدون لمواجهة الموقف و التصدي للعدو في حالة اكتشافهم. أما أدزاير فقد واصلت عملها العادي في التنقل بين المطبخ و الغرف و تحضير الطعام.
و باقتراب العدو من المشتى أخذ كل مجاهد موقعه للتصدي لقوات العدو، و ابتدأ الضرب بين الطرفين بتصدي المجاهدين لدورية العدو التي وصلت إلى قرب باب المشتى ولم تتفطن لوجود المجاهدين، و بذلك نشبت معركة حامية بين الطرفين بعد السادسة بقليل، و كان تمركز المجاهدين جيدا خلف الأسوار مما سهل عليهم مواجهة قوات العدو، لكن كثافة قوات العدو جعلتهم يواصلون ضربها طيلة المدة التي استمرت فيها المعركة بدون أن يتخلوا عن أماكنهم، ما عدا قائدهم باجي مختار الدي كان ينتقل بينهم للاطلاع عليهم و تسيير المعركة وإعطاء الأوامر.
و في نفس الوقت انضم أهل المشتى إلى المجاهدين لتقديم المساعدات التي يحتاجون إليها، و كانت دزاير في مقدمتهم إذ بمجرد أن نشبت المعركة تركت مطبخها و انضمت إلى المجاهدين
لخدمتهم غير آبهة أو خائفة من الرصاص أو القنابل التي كانت تتساقط بدون انقطاع على المشتى، و لما رأى باجي مختار خفتها و شجاعتها أمرها بأن تقدم قطع السكر والماء إلى المجاهدين حتى يتمكن هؤلاء من مقاومة العطش، فاسرعت دزاير لتلبية الطلب و أخذت توزع على المجاهدين قطع السكر و تسقيهم الماء و هم في
مواقعهم المتوزعة حول المشتى، و في حدود الساعة التاسعة صباحا و بينما كانت أدزاير تنتقل بين المجاهدين أصابتها قنبلة في رأسها فسقطت أثرها مباشرة على إبنة أخيها الصغيرة، و بذلك استشهدت دزاير و هي تؤدي الواجب الوطني المقدس.
واستمرت المعركة بين الطرفين حتى المساء حيث دخل العدو الى المشتى فأحرقها و زج بأهلها في السجون، و إلى الآن لا تزال بعض
أثار المشتى دالة على بطولة دزاير و شجاعتها و ثباتها من أجل
خدمة الجهاد و المجاهدين .
🇩🇿🇩🇿🇩🇿المجد والخلود للشهداء الابرار 🇩🇿🇩🇿🇩🇿
📚المصدر: كتاب من شهداء الثورة من إعداد وزارة المجاهدين.
🏞️الصورة الاولى هي نتاج ترميم ومعالجة للصورة الاصلية للشهيدة شايب دزاير.
🌅الصورة الثانية هي ملصقة اشهارية لفيلم بعنوان "دزاير" يحكي قصة الشهيدة شايب دزاير.
تعليقات
إرسال تعليق