الشهيد: عبدلي الطيب
الشهيد :الطيب عبدلي
ولد الطيب عبدلي في العاشر من شهر ديسمبر عام 1915 بدوار آمرس -سيدي عيسى- البويرة، ويرتب الثاني في أسرة تتكون من ثلاثة عشر فرد محافظة متدينة عرف عنها كرهها الشديد للاستعمار ترعرع في البادية كان أول تعليمه في زاوية محمد بن شينون في قرية الزبيرات ولم يسعفه الحظ في الالتحاق بالمدارس الرسمية مثله مثل باقي أبناء الجزائر ورغم ذلك فقد كان مثقفا متدينا ثائرا متشبعا بالقيم الوطنية متمردا على القوانين الفرنسية الجائرة .
بعد تعرض فلسطين للنكبة المعروفة بعد وعد بلفور المشؤوم عام 1948 وكغيره من المسلمين الذين يحملون هموم الأمة العربية والإسلامية فقد كان يعيش مأساة فلسطين بكل جوارحه فأراد أن يترجم الشهيد ذلك بمحاولة الانتقال إلي هناك عبر تونس مع مجموعة من أصدقائه للوقوف مع إخوانه في محنتهم غير أن الإدارة الفرنسية ألقت عليهم القبض على الحدود وسجنوا في أحد السجون الفرنسية الذي تمكنوا بعد أشهر من الفرار منه ولسوء حظه فقد أصيب بكسر في رجله نقل على إثره من طرف أصدقائه إلى بيت عجوز لاتبعد كثيرا عن المكان فأعتنت بعلاجه ورعايته إلى أن شفي فغادرها شاكرا إلى مدينة تبسه ليشتغل في أسواقها ويجمع المال ليس للعودة إلى أهله ولكن لتحقيق الحلم الذي ظل يراوده غير أن واجبه الوطني وحاجة وطنه إليه جعلت مجموعة من أفراد أسرته تلح عليه للعودة إلى مسقط رأسه وهو ما حدث بالفعل الا ان المقام لم يطل به في الدوار حيث انتقل في السنة الموالية إلي فرنسا وهناك تعرف على بعض المناضلين حيث انظم إلى احد خلايا حركة انتصار الحريات الديمقراطية وبقي يزاول نشاطه إلى جانب إخوانه ويتنقل بين مدن روان وفيشي وغيرها إلي ما بعد اندلاع الثورة حيث عاد الى الوطن عام 1956 بعد أن اكتشف أمره وحكم عليه غيابيا بالإعدام .
وفي قرية الزبيرات تمكن من الاتصال بأفراد من جيش التحرير أمثال المسعود القصراوي والخيير ويحياوي بن مالك وغيرهم وبدأ يعمل تحت إشراف مسؤول المنطقة المباشر الهاشمي وظل يتنقل بين الولايات الثالثة والرابعة والسادسة من جبل بوكحيل الى الاوراس تارة يجمع الأموال والاشتراكات وتزويد الثوار باللباس والسلاح ويشرف على التجنيد في نفس الوقت وأخرى لنقل الرسائل و القيام بمهام رسمية بالإضافة إلى تنقله مع أفراد جيش التحرير والإشراف بمساعدة إخوته أمثال المسعود عبدلي على مركز في جبل تخصيص يتولى علاج الجرحى والمرضى من أفراد جيش التحرير والسهر على تأمين تنقلهم وتوفير احتياجاتهم شارك في أعمال كثيرة منها المعركة التي دارت قرب منطقة النسيسة بجبل آمرس والتي انتهت بخسائر بشرية كبيرة في صفوف القوات الفرنسية وانسحاب أفراد جيش التحرير تحت جنح ضباب كثيف واستشهاد أحد أفراد جيش التحرير الذي لم تستطع القوات الفرنسية القضاء عليه إلا بعد استعمال الأسلحة الثقيلة.
بعد تحريات طويلة ووشاية عملائها من الخونة وفي ذلك اليوم المشئوم حيث ننقل لكم رواية احد شهود العيان حيث يقول:كان يوم الخميس 18ديسمبر حين امتلأت سماء دوار الزبيرات بأزيز الطائرات الاستكشافية وضجيج آليات العدو الثقيلة و لم تمر ساعات حتى كانت مداخل الدوار ومخارجه محاصرة بجحافل مدرعة من قوات العدو الفرنسي والتي شرعت في حشد أهالي الدوار حول مسكن صديقي محمد بن الطاهر- ولحسن الحظ أن الأهالي ابعدوا الأبناء الى أسفل الجبل مع الرعاة قبل وصولهم - كما تم احتجاز اثني عشر فرد من أسرته كرهائن تتقدمهم زوجة الشهيد لإجباره على تسليم نفسه بعد أن يئست فرنسا من اعتقال الحاج طه (والد الشهيد.) أكثر من سبعة مرات دون تحقيق أهدافها في إستدراج الشهيد . .
كان طيب عبدلي غير بعيد يراقب ما يحدث لأبناء الدوار وبعد أن اخفى أغراضه من سلاح ووثائق سارع إلى التوجه إلى المكان الذي حشدت فيه فرنسا أبناء الدوار بعد أن إكتشفته طائراتها وما أن وقعت عليه أعين الفرنسيين حتى سارعوا إلى اعتقاله بعد إطلاق سراح أفراد أسرته و تجريده من ثيابه والشروع في استنطاقه وتعذيبه أبشع أنواع التعذيب أمام أعين أهل الدوار والأكثر من ذلك أن فرنسا كانت تحاول إشراكهم في تعذيبه غير أنهم كانوا يرفضون في كل مرة بشدة مما يعرضهم إلى الشتم والتنكيل والتعذيب وغيرها من الاهانات.
ظل الشهيد صابرا صامدا شامخا شموخ الجبال رغم الساعات الطويلة التي تفنن فيها جلدوه الذين أذاقوه كل أنواع وأشكال التعذيب . ومما لفت انتباه احد شهود العيان أن فرنسا كانت تبحث عن أبنائه من الذكور لإجباره على الكلام أو ربما لإبادتهم لولا العناية الإلهية حيث تفطنت إحدى النساء وأعلمت الفرنسيين انه لا ينجب إلا الإناث.
بعد أن يئست كلاب فرنسا البشرية من صبره وصموده أطلقت عليه الكلاب التي اقتلعت إحدى عينيه كما أُحْرق منزله وصودرت جميع محتوياته وفي هذا الخضم كان يطلب من الشهيد وهو لا يقوى على الحركة أن يهتف بحياة الرئيس الفرنسي شارل ديغول فكان جوابه أن لعنة الله عليكم وعلى ديغول ...هكذا كان في هذا اليوم لا يحسن إلا التكبير والهتاف بحياة الجزائر لينهي سالفادوري وعساكره الأنذال المشهد برصاصة أطلقت على رأسه لتشفي غليلهم بعد أن يئسوا من أن يأخذوا منه اعترافا أو وشاية برفاقه.
ويرتقي الطيب شهيدا في مذبح الحرية يوم الخميس 18 ديسمبر 1958 وعمره لا يتجاوز43 سنة مع رفيقه في الكفاح الشهيد حملاوى بولعراس الذي جاءت به فرنسا من السجن وأعدمته بالقرب منه .
بعد انسحاب القوات الفرنسية اجتمع أهالي الدوار واغلبهم وقع تحت رحمة التعذيب الفرنسي لإطفاء البيوت المشتعلة كما نزل بعض أفراد جيش التحرير الذين كانوا يراقبون الوضع من جبل آمرس لدفن الشهيدين بمقبرة زاوية الشهيد محمد بن شينون على الساعة العاشرة ليلا.
رحم الله الشهيدين واسكنهما جنة الرضوان..
تعليقات
إرسال تعليق