الشهيد: عشوري مصطفى
#الشهيد : الضابط مصطفى عشوري المدعو:- " لحليب "
ولد مصطفى عشوري خلال سنة 1927م بقرية بادس بزريبة الوادي من أبوين كريمين هما الطاهر وفاطمة. نشأ وتربى وسط عائلته القروية الريفية، كان يجالس العلماء ويسترشدهم في أمور دينه وتربيته. مما أثر في تكوين شخصيته ما عرف قصص وروايات مغامرات الفرسان والأبطال التاريخيين مثل عنترة بن شداد وغيره، فتكونت لديه ملكة تربوية أخلاقية اجتماعية امتاز بها على أقرانه من شباب القرية.
التحق مصطفى عشوري مبكرا بالثورة، وذلك بتاريخ 15 جانفي 1955م رفقة مبروك عشوري والحاج عبد السلام صحراوي، وهما من أقربائه، بعدما قاموا فيها بأول عملية فدائية بالمنطقة، حيث هجموا وبيدهم بندقية صيد واحدة على مجموعة من السبايس على 6 مسلحين من طرف السلطات الاستعمارية والمجندين في صف ما يسمى بالخيالة.في السهرة وهم مشغولون بلعب الكارطة، وأسلحتهم معلقة في الحائط بجوارهم، وبتلك المباغتة تمكنوا من الاستيلاء على الأسلحة بدون مقاومة تذكر، لكن أحد الحركة فقط حاول أخذ سلاحه للدفاع ولكنهم عاجلوه بإطلاق رصاصة وأصابوه جريحا في يده، وأخذ سلاحه هو الآخر.
وهكذا تجندوا في صفوف الثورة ليلتها، حيث التحقوا بالمجاهد المسعود الزحاف إلى كيمل، واتصلوا بالقائد عجول هناك وفرح بهم وبعمليتهم الفدائية، ومن ذلك الوقت كلفهم بمهمة نشر دعوة الثورة، وسط سكان منطقة الزاب الشرقي، وبصفة خاصة قرى: بادس، لقصر، ليانة، زريبة الوادي، الخنقة، زريبة حامد، الفيض، الشيخ سيدي محمد موسى، الحوش، مرورا فيما بعد إلى منطقة وادي ريغ كما سنذكره لاحقا.
نسجل في هذا المجال وبكل تقدير أن الحياة العسكرية للمجاهد مصطفى لحليب عشوري، بداية من تاريخ التحاقه بالثورة في شهر جانفي 1955م، حتى استشهاده في شهر جوان 1960م، كانت مليئة وزاخرة بالأعمال المخلصة والبطولية، المتمثلة في العديد من المهمات الناجحة التي قام بها خلال مسيرة الثورة؛ سواء المتعلقة بالتنظيم أو التي تدعم وحدة الصف، أو التنقل إلى التراب التونسي للاتصال ولجلب الأسلحة والعتاد وما إلى ذلك من المهمات المختلفة.
وتتمثل أعماله البطولية أيضا في العديد من العمليات القتالية الناجحة –في أغلبها- بعدة جهات بالمناطق التي تواجد بها، وخاصة بالمنطقتين الثانية والأولى من الولاية الأولى (الأوراس) فقبلهما في سنة 1955م كان بجهة الشرق مع المسؤولين عباس لغرور وسيدي حني في آرقو والجرف ووادي هلال وغير ذلك، تلك الجهة التي تسمى فيما بعد بالمنطقة السادسة،
ومن حيث المسؤوليات التي تولاها، فقد بدأت بمسؤول فوج إلى مسؤول فصيلة إلى مسؤول كتيبة برتبة ملازم أول.
وفي كل الحالات تراه محبوبا ومطاعا من كل المجاهدين الذين تولى قيادتهم، لأنه كان من جهته مخلصا ووفيا معهم في كل الظروف، ويعد عندهم بمثابة أخ شقيق كبير يتعاطف معهم في البأساء والضراء، ويكون أمامهم في كل الصعوبات، ويكون آخرهم في تناول الوجبات، وفي توزيع الألبسة، وما إلى ذلك من ضروريات الحياة، ومن حنانه وتعاطفه أنك تراه أحيانا يبكي حينما يرى أحد المجاهدين ممزق الحذاء أو اللباس، أو يشتكي له الجوع، ولا يوجد بين يديه ما يلبسه أو يطعمه.
وهذه الحالة كثيرا ما تحدث للمجاهدين في تلك الظروف الصعبة، ظروف الحرب، خاصة في ناحية كيمل التي تعد من المناطق المحررة التي أخلاها الجيش الاستعماري من سكانها، حيث أجبرهم كما هو معلوم على الرحيل لأنه –أي الجيش الاستعماري- لم يستطع التمركز بهذه المنطقة من شدة وكثرة ضربات وهجومات جيش التحرير.
ومع عاطفته الفياضة نحو جنوده، فإنه يكون شديدا وحازما في أوامره لجنوده، خاصة في تنفيذ العمليات الفدائية والعسكرية ضد عدوهم المستعمر، كما يشتد عليهم في تطبيق تعليمات قيادة الثورة بصفة عامة، وإذا خاطب المجاهدين في أمر من الأمور بدأهم بقوله (اسمعوا يا أمة النبي، كونوا رجالا وكونوا أبطالا في ضرب العدو، ومتخافوش الموت بالأجل، ورصاص أولاد فافا ما هوش هو اللي يقتل، وعندكم تسجلوا علينا العار ويقولوا عليكم خوافين).
وهكذا يثير في جنوده الحماس الوطني ويشجعهم على المقاومة والثبات والصمود في القتال ضد العدو.
أما من حيث عملياته العسكرية فهي كثيرة وكثيرة جدا؛ من حيث المعارك والكمائن والاشتباكات والهجومات، سواء التي شارك فيها مجاهدا مقاتلا شرسا، أو شارك فيها قائدا مساعدا أو كان نفسه القائد لتلك المعارك، ففي كل الحالات كان مصطفى الحليب بطلا في الميادين القتالية.
وتلك المعلومات كثيرة بدون مبالغة، لأن كل جبال الأوراس بطولها وعرضها من جبل أم لكماكم بولاية تبسة شرقا إلى جبل بوطالب لولاية المسيلة غربا، تشهد بأن مصطفى لحليب كان يصول ويجول بها شجاعا مقداما بطلا، وحتى أيضا في الفيافي والصحاري في صحراء أحمر خدو إلى المغير بواد ريغ، تعرفه بتلك الخصال، كيف وحالة الرجل هكذا؛ أن نتمكن من ضبط وإحصاء عملياته القتالية وذكرها بتواريخها وأمكنتها ونتائجها، ما لم يكن كله لا يترك بعضه أو جله.
وشارك أيضا في معارك وكمائن بآقبو، راس الكاف، القبطون، لم نتذكر تواريخها، كل هذه العمليات وقعت بالمنطقة الثانية والسادسة من الولاية الأولى، وعند انتقاله بكتيبته بأمر من قيادة الولاية الأولى إلى المنطقة الأولى (باتنة) وذلك في شهر أكتوبر 1959م كانت له هناك جولات وصولات بجميع نواحي المنطقة الأولى،
تشاء الأقدار بعد جهاد وكفاح مرير طوال خمس سنوات ونصف من الثورة التحريرية، بداية من جانفي 1955م إلى شهر جوان 1960م أن تكتب الشهادة للبطل مصطفى عشوري لحليب في معركة عنيفة، خاضها في آخر حياته بما بقي له من أفراد كتيبته ضد قوات كبيرة من الجيش الاستعماري، بالمكان المعروف باسم تعفانت بجبل معافى ناحية عين التوتة، وذلك بتاريخ 06/06/1960م، حيث أصيب بضربة قاتلة من طرف مدفع رشاش طائرة عمودية للعدو.
ومن جراء الضربة تمزق بطنه، وأصرَّ مجاهدان على البقاء بجواره للدفاع عنه إلى آخر رمق، لكنه رفض ذلك وأمرهما أن يأخذا سلاحه وينجوا بأنفسهما وأن يتركا له القنبلة اليدوية، وتركاه بعدما ربطا على بطنه بحزام رشاش، وهكذا؛ لما وصل إليه مجموعة من عساكر العدو وهو في حالة احتضار، فجر وسطهم تلك القنبلة ليسقطوا قتلى وجرحى، ويستشهد هو الآخر ليلتحق برفاقه الشهداء الخالدين.
المجد و الخلود للشهداء الابرار 🇩🇿🇩🇿🇩🇿
تعليقات
إرسال تعليق