الشهيد: جبور جلول
✅مولده و نشأته :
ولد الشهيد"جبور جلول"المدعو سي عبد القادر سنة 1926 بمنطقة تفيلاس بلدية شيطوان ، دائرة ابن باديس،ولاية سيدي بلعباس،ابن محمد و دريسي عائشة، نشأ جلول وسط عائلة فقيرة تقتات على العمل الفلاحي الذي كان يمارسه الأب و الذي لم يكن يللبي حاجيات العائلة الأساسية نظرا للسياسة الإستعمارية الغاشمة التي حرمت السكان من مصادر عيشهم و صادرت كل أراضيهم و ممتلكاتهم و جعلتم خدما عند الكولون الذي أصبح يتحكم في ثروات البلاد وفي رقاب الجزائريين .
شاءت الأقدار أن يتوفى أب الطفل جلول ليتركه هو ووالدته و اخوته يكابدون و يصارعون مرارة الظروف الاجتماعية القاسية .و على الرغم من كل هذا ،تحدت العائلة الظروف الصعبة ،و إستطاع جلول أن يلتحق بالمدرسة الابتدائية بمدينة ابن باديس إيمانا بأن العلم وحده هو الكفيل بتنوير العقول و تخليصها من العبودية و تفتح آفاقا واسعة نحو مستقبل أفضل.فأصبح محمد يتقن اللغة العربية اللغة الأم و اللغة الفرنسية المفروضة على المتمدرسين الجزائريين .
✅تجنيده في صفوف الجيش الفرنسي و التحاقه بالهند الصينية:
بعد مغادرته مقاعد الدراسة إنتقل محمد رفقة عائلته للعيش بمدينة سيدي بلعباس في محاولة منها للبحث عن حياة أفضل و بمجرد بلوغه السن القانونية للتجنيد ،جند في صفوف الجيش الفرنسي في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين و اغلب الزن سنة 1949. بحيث لم يكن أمام الشباب الجزائري فرصة للعمل سوى المخاطرة بحياتهم و التجنيد في صفوف جيش العدو لتحسين ظروفهم المعيشية و لكسب خبرة و تجربة عسكرية يمكن أن تنفعهم مستقبلا لإعلان الثورة على الغاصبين و تحرير الوطن المغتصب . و في شهر أوت من سنة 1950 تحصل جلول على ترخيص من قيادة الجيش ليتزوج من السيدة جبور درسية.
بعد انقضاء فترة التدريب و التكوين العسكري و بعد أن أصبح قناصا ماهرا، انتقل المجند جبور جلول رفقة أخوانه الجزائريين للمشاركة في الحرب الشرسة و العدوانية التي خاضتها فرنسا الاستعمارية في الهند الصينية و التي جندت لها 70 ألف جندي ،متقلدا رتبة رقيب ( (sergent de carrière)) في صفوف الكتيبة الأولى للمشاة ،الفوج السادس للرماة الجزائريين .
شارك الرقيب جبور جلول في العديد من المعارك بالهند الصينية منذ استقرار كتيبته بشمال الفيتنام بداية من تاريخ 15 ماي 1951. و من أهم المعارك التي شارك فيها و نجى منها بأعجوبة نذكر على سيبل الذكر لا الحصر وفقا لما تحصلنا عليه من وثائق تنبث ذلك :
✴️*معركة "Phuong-Mao" بمقاطعة " Bac Nith" بشمال الفيتنام بعد تعرض المعسكر الفرنسي لهجوم مباغت من طرف المحاربين الفيتنام بتاريخ 21 ديسمبر 1951 أين أصيب بجروح على مستوى على مستوى الرجل و الذراع نتيجة شظايا قنبلة .
✴️*معركة "Phu-Yen" بتاريخ 15 جانفي 1952.
✴️*معركة "Phu-Duc" بتاريخ 19 جانفي 1952.
و قد أبدى الرقيب جبور جلول حنكة عسكرية خارقة و شجاعة و بطولة منقطعة النظير أدهشت قادته الفرنسيين، تحصل بموجبها على العديد من الشهادات التقديرية التي تتغنى و تعدد بطولاته و مؤهلاته العسكرية التي إكتسبها في وقت وجيز.
و بعد الهزيمة النكراء التي تعرض لها الجيش الفرنسي و فقدانه أكثر من 16 ألف جندي بين قتيل و أسير في معركة ديان بيان فو "Diên Biên Phu " سنة 1954 ،عاد جبور جلول رفقة ما تبقى العساكر الفرنسيين و الجزائريين إلى الجزائر .
✅تسريحه من الجيش و التحاقه بصفوف المنظمة المدنية لجبهة التحريرية الوطني:
بعد عودته إلى أرض الوطن واصل جلول عمله في صفوف الجيش الفرنسي وبحكم وطنيته التي لا يرقى اليها شك و انخراطه السري في حزب "الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية" (MTLD) استغل فرصة اندلاع الثورة التحريرية يوم 01 نوفمبر 1954 لينخرط في صفوف جبهة التحرير الوطني ، وبدأ من خلال موقعه كمجند في صفوف الجيش الفرنسي بمساعدة المجاهدين و المناضلين بتموينهم بالمعدات العسكرية كالألبسة و الذخيرة الحربية الخفيفة و إمدادهم بالمعلومات العسكرية المتعلقة بالجيش الفرنسي و تحركاته ،و كذا القيام بالدعاية لصالح الثورة في أوساط عناصر اللفيف الأجنبي قصد انضمامهم إلى الثورة أو تهريبهم الى بلدانهم و بشكل خاص العناصر الألمانية التي تعاطفت بشكل كبير مع الثورة ،و هذا ما أكسبه احترام و تقدير قادة الثورة .و ظل على هذا الحال الى غاية تسريحه من الجيش الفرسي في بداية سنة 1957 دون أن يثير الشكوك ،بل على العكس من ذلك تماما ،فكوفئ من قبل المؤسسة العسكرية الفرنسية بشهادات الثناء و التقدير و حسن السيرة و السلوك.
مباشرة بعد تسريحه اشتغل بالتجارة ،فافتتح محلا تجاريا بالحي العربي القرابة و أصبح محله مركزا يلتقي فيه مع المناضلين خلسة لتنظيم أمور الثورة .و بعدها أصبح يمارس تجارة الجملة فاقتنى سيارة نفعية من نوع سيتروان و بدأ يوزع الحلويات على المحال التجارية في مختلف المناطق .فكان يتنقل شرقا سالكا طريق معسكر مرورا بمصطفى بن براهيم و سفيزف حتى حمام بوحنيفية ،و بتجول غربا سالكا طرق تلمسان مرورا بلمطار ، سيدي علي بوسدي ،بن باديس إلى غاية أولاد ميمون ،و ينتقل جنوبا إلى غاية راس الماء مرورا بتلاغ و الضاية .وكان خلال تجواله التجاري المموه يهرب الأدوية و الألبسة و المئونة و الأسلحة و الرسائل من منطقة لأخرى و يربط الاتصالات بين المجاهدين في مختلف المناطق التي يغطيها عمله مستغلا في ذلك صفته كجندي سابق في الجيش الفرنسي وسمعة طيبة في أوساطه ،و يذكر أنه كان يتردد على حانة في مدينة رأس الماء و يلتقي بأصدقائه السابقين من الجيش الفرنسي ،فكان يستغل حالة سكرهم و فقدانهم لتركيزه و يفتك منهم معلومات قيمة عن الجيش الفرنسي و تحركاته ليستغلها جيش التحرير الوطني في عملياته العسكرية .و استطاع بعمله هذا تقديم دعم و دفع كبير للثورة التحريرية في المنطقة الخامسة و التي احرزت بفضلها انتصارات عدة .
✅إلتحاقة بجيش التحرير الوطني:
و بعد اكتشاف أمره من قبل سلطات الاحتلال قرر جلول الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني خلال شهر نوفمبر من سنة 1958 ليستغل قدراته و خبرته العسكرية التي اكتسبها في الفيتنام و يضعها تحت تصرف الثورة التي أصبح عضوا بارزا فيه. و نظرا لحكنته السياسية وخبرته في قيادة العليات العسكرية قلد مباشرة رتبة ملازم أول بالناحية الثالثة للمنطقة الخامسة التي كانت تضم سيدي غالم،تسالة و سيدي حمادوش و أصبح يحمل لقب سي قويدر.
وبعد ان كسب سيق قويدر ثقة قيادة الثورة ثم توليته زمام قيادة الناحية الثالثة فأصبح يشرف على تنظيم الأفواج العسكرية و تأسيس المراكز وجمع المؤونة و الاشتراكات و الأدوية و تنظيم العمليات العسكرية بالتنسيق مع السي عبد الكريم و سي الفضيل ،كما قاد العديد من العمليات العسكرية، زرع من خلالها الرعب في صفوف المعمرين و القوات الاستعمارية .
✅ظروف استشهاده:
نظرا لما الحقه من خسائر فادحة في صفوف العدو و نظرا لمعرفة الفرنسيين له و لشجاعته و حنكته العسكرية ، سخرت سلطات الاحتلال كل امكانياتها من عساكر و حركى و قوات اللفيف الأجنبي للقضاء على سي قويدر و كبح جماح الثورة .و اول شيء قامت به هو اعتقال زوجته التي زج بها في معتقل بودانس و تعرضت لأبشع أنواع التعذيب و بقرت بطنها ،كما تعرض أقرباءه للاعتقال و المطاردة.
و على إثر وشاية دنيئة وقع سي قويدر رفقة مجاهدين آخرين في كمين نصبته لهم قوات الاحتلال بنواحي سيدي خالد، فدخل الطرفان في اشتباك غير متكافئ ،أبدى خلاله سي قويدر و رفيقيه استماتة كبيرة ،إلا أنه اصيب بجروح بليغة على مستوى الفخد مما تسبب له في نزيف دموي حاد .و رغم ذلك استطاع سي قويدر التسلل و كسر الحصار و مواصلة مسيرته عبر الوادي متجها ناحية دلاهيم شرقا ، لكن قوات الاحتلال واصلت عملية مطاردته و بعد حصاره لمدة و تبادل لإطلاق الرصاص تمكن منه الأعداء بعد نفاذ ذخيره ،و ارتقى إلى ربه شهيدا بدوار الدلاهيم بنواحي بلدية سيدي حمادوش بتاريخ 6 ديسمبر 1960.
🇩🇿🇩🇿🇩🇿المجد والخلود للشهداء الابرار 🇩🇿🇩🇿🇩🇿
تعليقات
إرسال تعليق