الشهيد: محمد العربي بن مهيدي
الشهيد من
مواليد 1923 في زاوية دوار الكواهي، حوالي 50 كلم من قسنطينة (عين مليلة بولاية أم
البواقي اليوم)، وهو الابن الثاني في
ترتيب الأسرة التي تتكون من ثلاث بنات وولدين، دخل المدرسة الابتدائية الفرنسية
بمسقط رأسه، وبعد سنة دراسية واحدة انتقل إلى باتنة لمواصلة التعليم الابتدائي،
ولما حصل على الشهادة الابتدائية عاد لأسرته التي انتقلت هي الأخرى إلى مدينة
بسكرة، وفيها تابع محمد العربي دراسته وقُبل في قسم الإعداد للالتحاق بمدرسة
قسنطينة.
في سنة
1939 انضم لصفوف الكشافة الإسلامية "فوج الرجاء" ببسكرة، وبعد بضعة أشهر
أصبح قائد فريق الفتيان، كما كان لاعبا في كرة القدم، فكان أحد المدافعين
الأساسيين في فريق الاتحاد الرياضي الإسلامي لبسكرة
(USB) الذي أنشأته الحركة الوطنية. واشتغل محاسبا في
مصلحة الهندسة المدنية في بسكرة.
وحين
بلغ 20 سنة، انضم إلى صفوف حزب الشعب الجزائري عام 1943، في فترة كانت فيها الحربُ
العالمية الثانية، وشهدت إنزال قوات الحلفاء في البلاد، الأمر الذي غذَّى تطلعات
الشعب إلى الاستقلال والتحرر، وتكللت تلك المرحلة بتأسيس حركة شعبية كبيرة دُعيت
"أحباب البيان والحرية"
(AML) التي وحدت التيارات السياسية الثلاث: الاستقلالي
ممثلا بحزب الشعب الجزائري، الإصلاحي الذي كانت تمثله جمعية العلماء، والاندماجي
وعلى رأسه عباس فرحات وأتباعه من النواب، وكان محمد العربي ممثلا لحزبه في هذه
الحركة، ما سمح له بالاحتكاك مع رواد التيارات السياسية والعلمية، كالشيخ مبارك
الميلي من جمعية العلماء، والدكتور شريف سعدان صديق فرحات عباس الذي كان يقدره،
هذا التقارب سمح له بتنويع مشاربه، وتقوية إيمانه بضرورة الوحدة الوطنية الذي صار
مبدأ من مبادئ الثورة. وفي يوم نهاية الحرب في 08 ماي 1945، دعا حزب الشعب
لمظاهرات عامة، كان بن مهيدي على رأس المتظاهرين في منطقته، فتم اعتقاله في اليوم
الموالي، وأطلق سراحة بعد 3 أسابيع.
في عام
1947 تأسست المنظمة السرية، وعُين محمد بلوزداد مسؤولا عنها، وكان بن مهيدي من بين
الشباب الأوائل الذين التحقوا بصفوف المنظمة الخاصة، وما لبث أن أصبح من أبرز
عناصر هذا التنظيم، وفي عام 1949 أصبح مسؤول الجناح العسكري في سطيف، وفي نفس
الوقت نائبا لرئيس أركان التنظيم السري على مستوى الشرق الجزائري الذي كان يتولاه
آنذاك محمد بوضياف، وفي عام 1950 ارتقى إلى منصب مسؤول التنظيم بعد أن تم نقل محمد
بوضياف للعاصمة. بعد حادثة تبسة في مارس 1950، اكتشفت الإدارة الاستعمارية التنظيم
فقامت بحله، وتبع ذلك اعتقالات واسعة في أفراده، وهرب بن مهيدي رفقة محمد بوضياف،
وبقي يعيش في سرية طيلة سنوات (إذ حُكم عليه غيابيا بـ10 سنوات سجنا). وعيّن
كمسؤول للدائرة الحزبية بوهران إلى 1953.
في 23 مارس
1954 كان ضمن المؤسسين للجنة الثورية للوحدة والعمل
(CRUA) التي عملت على تقريب وجهات النظر والتوحيد بين
الإخوة الفرقاء في الحزب، لكن دون جدوى.
شارك
العربي بن مهيدي في اجتماع الـ22، وكان عضوا في اللجنة السداسية التي اتخذت قرار
تفجير الثورة في الفاتح من نوفمبر، وعُين مسؤولا عن المنطقة الخامسة الوهرانية
التي تشمل الغرب الجزائري والجنوب إلى الحدود المغربية.
كان ينتقل
رفقة محمد بوضياف بين المغرب ومدريد والقاهرة بحثا عن إمداد الثورة بالسلاح الذي
كان يمثل المشكلة الرئيسية للثورة الفتية. وفي القاهرة أعرب عن رفضه القاطع لتدخل
الإخوة المصريين في شؤون الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني، مشددا على أن طلب
الإعانة من الخارج لا ينبغي أن يكون مبررا للتدخل في الشؤون الداخلية.
عاد إلى
الجزائر بعدها ليلتقي في ماي 1956 بعبان رمضان، ثم تتوالى اللقاءات بينهما،
وتقاربت وجهات نظرهما ورؤيتهما للثورة بشكل كبير، وشكلا ثنائيا قويا أسفر عنه
انعقاد مؤتمر الصومام يوم 20 أوت 1956، والذي أعطى الثورة بعدا استراتيجيا تنظيميا
جديدا، سياسيا وعسكريا.
تولى العربي بن مهيدي رئاسة المنطقة المستقلة للعاصمة، وكان أبرز المسؤولين عن معركة الجزائر العاصمة رفقة عبان وبن خدة وياسف سعدي، فقد كان الهدف إشعال العاصمة وإسماع صوت الثورة للرأي العام الفرنسي والعالمي، حسب النظرية التي أطلقها ياسف سعدي في برقيته إلى عبان رمضان قائلا "مفرقعة في شارع ميشلي أكثر دويا من كمين قاتل في منطقة القبائل، لأن الكل سيسمع بها وستتحدث عنها وسائل الإعلام".
لما اشتدت العمليات التي كانت تقوم بها
جبها التحرير في العاصمة، أمر الحاكم العام روبير لاكوست بنقل صلاحيات الشرطة إلى الفرقة
المظلية الفرنسية بقيادة الجنرال ماسو، فخاض حربا استخباراتية ضروسا، وحملة واسعة
ضد مناضلي الجبهة، تعذيب واستنطاق وقتل.
اعتقاله وتعذيبه واستشهاده
بلغت الفرق الاستخبارية معلوماتٌ عن
العناوين المحتملة التي قد يتواجد بها قيادات لجنة التنسيق والتنفيذ، فتفقدوها
بيتا بيتا حتى وقع في أيديهم العربي بن مهيدي الذي كان مقيما في بيتٍ بشارع تليملي
(كريم بلقاسم حاليا)، وذلك يوم 23 فيفري 1957.
سيق العربي بن مهيدي إلى الملازم آلير
الذي أعجب به أيما إعجاب، وكذا قائده الكولونيل مارسل بيجار الذي رفض تعذيبه كما
جرت عادة المعتقلين، بل كان يُحادثه ويسأله ويستفيد من خبرته، لكن هذا ضايق الجنرال ماسو الذي كان يقول
"خلصوني من هذا الرجل"، فأرغم بيجار على نقله إلى وصاية الجنرال المجرم
بول أوساريس "لأسباب إدارية"، وأثناء نقله رفع رجال بيجار أسلحتهم
مظهِرين التحية العسكرية للبطل.
وتحت إشراف الجنرال أوساريس تم تعذيبه، ثم
نُقل إلى مزرعة بالمتيجة، 18 كم جنوب العاصمة، حيث أُعد حبل المشنقة، ووُضع كرسي ليصعد عليه، ووُضعت
عصابة على عينيه على الرغم من رفضه، أبى الحبل أن ينصاع فانقطع في المرة الأولى،
ليُشنق في الثانية، وكان ذلك ليلة 3 إلى 4 مارس 1957، ويمضي إلى ربه في ركب
الخالدين.
وصُوِّر الأمر آنذاك بأنه انتحر، ولم
يعترف جلادوه بالحقيقة حتى سنة 2001، عندما اعترف الجنرال أوساريس في كتابه بأنه
هو من أمر بشنق بن مهيدي، تحت علم مسؤوليه العسكريين.
رحم الله شهدائنا الأبرار.
تعليقات
إرسال تعليق